جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور
جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور:
قال تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 17 – 19]. فالمعنى: هو الحفظ في الصدور.
حكمه:
- بالنسبة للأمة: واجب على الأمة في مجموعها، بعدد يثبت به التواتر.
- بالنسبة للأفراد: الواجب على الفرد أن يحفظ من القرآن ما تقوم به صلاته.
حفظ الرسول -صلى الله عليه وسلم- القرآن:
- النبي -صلى الله عليه وسلم- أدرك الأمانة الكبرى التي كُلف بها، وهي تبليغ القرآن للناس: {وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ} [الأنعام: 19]، وأدرك -صلى الله عليه وسلم- أن تبليغ القرآن يجب أن يكون كما سمعه بلا زيادة ولا نقصان، لذا فقد كان -صلى الله عليه وسلم- يشعر بحرج وخوف عظيم أن ينسى شيئًا من القرآن مما جعله يحرك لسانه بالقرآن لحظة نزول الوحي مع ما يعانيه شدة الوحي، ومن الجهد والكرب عند نزوله، وما زال كذلك حتى نزل عليه قوله تعالى: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ . فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ . ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة: 17 – 19]. وقال سبحانه: {وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114]. فكان صلى الله عليه وسلم بعد هذا إذا جاءه الوحي وذهب عنه وجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- القرآن مجموعًا في صدره كما وعده الله.
- وكان جبريل -عليه السلام- يعارض القرآن للنبي -صلى الله عليه وسلم- في شهر رمضان من كل عام مرة، وفي العام الذي توفي فيه عارضه مرتين. كما قال -صلى الله عليه وسلم-: “إن جبريل كان يعارضني القرآن كل سنة مرة وإنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي” رواه البخاري.
- وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ القرآن آناء الليل وأطراف النهار، يقوم به في الليل، حتى كادت أن تتفطر قدماه.
حفظ الصحابة -رضي الله عنهم- للقرآن الكريم:
- تنافس الصحابة -رضي الله عنهم- في حفظ القرآن الكريم وقراءته وتدبره، ومدارسته وتفسيره، والعمل به.
- وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحثهم على قراءته وحفظه، ويحرص على سماع تلاوتهم، فقد قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: “لو رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة! لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود” أخرجه مسلم.
- كان الصحابة لا يتجاوزون حفظ عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل.
- وكانوا -رضي الله عنهم- يتهجدون بالقرآن يقومون به الليل، وكان يسمع لبيوتهم عند قراءة القرآن دويًّا كدوي النحل.
- فلكل هذه المميزات كثر عدد حفاظ القرآن من الصحابة إذ حفظه الجم الغفير من الصحابة -رضي الله عنهم- في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقد حفظ القرآن كله عدد من المهاجرين، منهم: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي، وطلحة، وسعد، وابن مسعود، وحذيفة، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبي هريرة، وعبد الله بن عمر، وابن عباس، وعمرو بن العاص، وابنه عبد الله، ومعاوية، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن السائب، وعائشة، وحفصة، وأم سلمة، ومن الأنصار عدد، منهم: عبادة بن الصامت، وأُبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل، وزيد بن ثابت، وفضالة بن عبيد، ومسلمة بن مخلد، وأبي الدرداء، وأنس بن مالك، وأبي زيد بن السكن.
دواعي حفظ الصحابة -رضي الله عنهم- للقرآن الكريم:
- أنهم أمة أميّة لا يقرؤون ولا يكتبون مما جعلهم يعتمدون على الذاكرة.
- قوة إيمانهم بالله عز وجل وحبهم للنبي -صلى الله عليه وسلم- جعلهم يُقبلون على حفظ القرآن.
- حث النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة على حفظ القرآن الكريم.
- حث النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابة على صلاة النافلة وقيام الليل مما يساعدهم على حفظ القرآن وتذكره.
حفظ التابعين ومن بعدهم -رحمهم الله تعالى- للقرآن الكريم:
- بعد وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- اتسعت رقعة الإسلام بسبب الفتوحات الإسلامية، فأخذ الصحابة –رضى الله عنهم- في تعليم القرآن لأتباعهم، ونشر العلم في كل مكان، وكانت لأكثرهم مدارس يعلمون فيها أتباعهم:
- كمدرسة ابن مسعود -رضي الله عنه- في الكوفة.
- ومدرسة أُبيّ بن كعب -رضي الله عنه- في المدينة.
- ومدرسة ابن عباس -رضي الله عنهما- في مكة. وغيرها من مدارس الصحابة رضي الله عنهم.
- وكان الصحابة يحفظون ويعلمون القرآن الكريم لأتباعهم، ويبينون لهم معانيه، ويوضحون لهم أحكامه.
- ووُفق التابعون لحضور هذه المدارس، فكثر عدد حفاظ القرآن الكريم، ولم يقتصر الأمر على حفظه بل حفظوا قراءته، واشتهر عدد كبير من الحفاظ بالقراءة والرواية.
- وتفرغ بعض التابعين -رحمهم الله تعالى- للعناية بضبط القراءات، ووضعوا لها القواعد والأصول، حتى صاروا أئمة يقتدى بهم.
حفظ القرآن الكريم في العصر الحديث:
من فضل الله علينا أنه بعد قرون كثيرة من وفاة النبي –صلى الله عليه وسلم- وما زال المسلمون يحفظون القرآن الكريم في صدورهم، مع ما هم فيه ظهور للفتن، واضطراب للمعيشة ومغريات الحضارة، وما زلنا نرى كثرة حفاظ القرآن الكريم ونجد إقبالًا لا يخطر ببال ولا يحلم بمثله أهل الكتاب.
ومن فضل الله علينا في هذا الزمان أن انتشرت الكثير من دور تحفيظ القرآن الكريم في العالم الإسلامي، وأنشئت الكثير من معاهد القراءات وكليات القرآن، ومراكز الاعتناء بخدمة القرآن الكريم ودراساته.
مميزات جمع القرآن بمعنى حفظه في الصدور:
- هو أول علم نشأ من علوم القرآن الكريم، فالنبي -صلى الله عليه وسلم- حين نزل عليه القرآن تلاه على خديجة -رضي الله عنها-.
- هذا الجمع دائم لا ينقطع بإذن الله تعالى، فقد حفظه النبي -صلى الله عليه وسلم- وحفظه أصحابه والتابعون ومن بعدهم إلى وقت الناس هذا، وسيستمر إلى أن يأذن الله عز وجل برفعه.
- الحفظ في الصدور خاص بالقرآن، وليست هذه الميزة لغير القرآن.
- حفظ القرآن بالنسبة للأمة: واجب على الأمة في مجموعها، بعدد يثبت به التواتر، بالنسبة للأفراد: الواجب على الفرد أن يحفظ من القرآن ما تقوم به صلاته.
- ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- وعيدًا لمن حفظ شيئًا من القرآن ثم نسيه.